top of page

فاسكين

جميل حلاوة

12.07.2022

لما بتخرب عندك شي تحفة فضة أو ذهب، وغالية على قلبك، شو بتعمل؟ بتروح ع الميدان بتتصلح وبترجع متل ما بدك و أحسن.  لما تنضرب سيارتك وتتجعلك، بتاخدها على الميدان وترميها هونيك متل علبة السكاير المجعلكة بتتصلح و بترجعلك بعد فترة وكالة. وإذا اشتهيت على شي أكلة مميزة: سجق، بسطرما، مقدادات، مشاوي، ما إلك إلا الميدان.  إذا احترق دينمو تركس أو ملف ساعة صغيرة بالميدان ما

.في داعي تستورد غيرو ، بينلف بالميدان.  لكل مدينة ميدانا إلا حلب، فميدانا أكبر من أي مدينة

حي الميدان ما بيعرف النوم، حركة ونشاط وحيوية كل الوقت. سكانو مزيج من البشر بس مشهور بتواجد أكبر تجمع للشعب الأرمني المميز بكونو محترم وبيقدّس العمل. أي عمل مهما كان نوعه بصير بين ايديهم شغلة حلوه

...

فاسكين الحلاق مين ماسألت عنه، رح يدلك ع محله. رغم إنو محلو محشور بحارة ضيقة، فيا عجقة، وضجة محلات إصلاح السيارات. رغم هيك بتشوف دكانو مضوي بألوان مريحة، وداخل المحل روايح العطور الطيبة وعم يلمع لمع من النضافة. فاسكين شب طويل ونحيف شعرو الأسود المجعد الطويل موضة التمانييات، وجهو البشوش وابتسامتو اللطيفة قادمة من المستقبل. بيرحب فيك بلكنة عربية وبنكهة أرمنية.

بيحضرلك فنجان القهوة ع الغاز الصغير، ويمكن أن تكمل انت تحضير قهوتك، ليتابع هوي تشغيل شريط الكاسيت لمجموعة من الأغنيات المشهورة. بيدعيك لتقعد عالكرسي. بيقرب لك فنجان القهوة، بيلف الرقبة بالشاش والقطن والبودرة المعطرة. بيعقم أدوات الحلاقة ولما  بيتطمن إنك بأحسن حال، و سلطان زمانك و بلشت تسرح بخيالك وتتذكر إيام الطفولة بيرفع دياتو الطوال النحاف وكأنو قائد أوركسترا وبيبلش العزف والتكتكة بحركات رشيقة وسريعة.

  ...أما لما بدك تحلق عند ابورشيد مثلاً.

 فبيحطك ع الكرسي ويبكبس راسك ليوصل لصدرك وبيبلش بالماكينة تبع الإيد متل التركَكتور، تك ، تك، تك،،،،، ومع كل تكة بينتف كم شعرة، وبيمشي بموس الحلاقة كأنه عم يقحط طنجرة مشحورة ورقبتك بتصير متل النار و بعدين بطرشك ، سبيرتوو، ريحتها متل كولونيا التعازي، بفركلك رقبتك المقشوطة، وانت يا حرام بتبلع ريقك مع هقة، ولما بيرفعلك راسك بكونو عيونك حمر ، وبقلك نط يلاه، ركض، اساتك هون؟ وانت بس تطلع من محل الحلاقة بتبلش ركض وكإنو كلب لاحقك وبدو يعضك، مو رياضه لا، لا، بس لانو ضهرك عم يحكحك متل الجربان بتحس آلاف النملات عم تسرح بضهرك وتقرصك

و أما فاسكين فعم يفتش بإدنك وبإنفك وينضف بالهوا كل شي حواليك، ببلش يوجه راسك عالمراية كإنوعم يوازن شعراتك بدقة. انت بطلع عحالك وبتتفحص وكإتك واحد تاني: مضوي وملمّع ولا نص شعرة تسللت لهون أو لهون أبداً وكأنك واحد تاني. يعني الواحد بيدخل لعند فاسكين شعرو مشحم ومغبّر ومكفنش، وبوجه مجعللك مكتئب. بس بيطلع من عند فاسكين فرحان. بتحس بس تطلع من عندو إنو الناس عم تطلع فيك و كإنك عريس

وجيل ورا جيل من أباء وأولاد بيكبرو وهنن عم ينطرو لحتى فاسكين تحديدا يحلقلهم بس.  الميدان بعد ماهجم عليه الربيع العربي الدموي، صار نص مدمر بسبب القذائف والتفجيرات، بس فاسكين ماتزحزح من مكانو  وضل بنشاطو وحيويتو متفائل ومبتسم ويحلق لناس تغبر شعرهم و شواربهم بسبب الدمار والركام و الغبار اللي تسببت في القذائف.

...

جميل حلاوة: كاتب سوري مقيم في الدانيمارك

bottom of page